تعزيزات إسرائيلية في جبل الشيخ- أطماع توسعية أم مخاوف أمنية؟

تواصل إسرائيل بقوة تعزيز تواجدها العسكري والاستراتيجي على قمة جبل الشيخ، تلك البقعة التي تتمتع بأهمية استثنائية في الركن الجنوبي الغربي من سوريا. تثير هذه التحركات المتزايدة، والتي تتجاوز المألوف، الكثير من علامات الاستفهام حول الأهداف الحقيقية التي تسعى إليها تل أبيب في هذه المنطقة الحساسة.
بالرغم من أن إسرائيل تحاول تبرير هذه الإجراءات بذريعة "تعزيز الأمن" والدفاع عن مصالحها، إلا أن الحقائق على الأرض تشير بوضوح إلى سياسة توسعية ممنهجة تهدف إلى فرض واقع جيوسياسي جديد يخدم مصالحها الاستراتيجية.
لم تكتفِ إسرائيل بإنشاء مواقع عسكرية ذات أهمية استراتيجية بالغة على قمة جبل الشيخ، والتي تمنحها تفوقًا استخباراتيًا وعسكريًا كبيرًا على طول الحدود السورية اللبنانية، بل تعدت ذلك بإعلان رفضها القاطع لوجود أي دفاعات سورية قد تُشكل تهديدًا لأمنها، الأمر الذي يكشف عن نواياها الحقيقية.
وقد تزامن هذا الإعلان مع كشف النقاب عن خطط إسرائيلية لإقامة منطقة منزوعة السلاح داخل الأراضي السورية، تمتد بعمق يصل إلى 65 كيلومترًا في الجنوب. وعلى الرغم من أن فكرة المنطقة منزوعة السلاح ليست جديدة في حد ذاتها، إلا أن استغلال إسرائيل للظروف الصعبة التي تمر بها سوريا في مرحلة التعافي وإعادة البناء، يثير الكثير من الشكوك والتساؤلات المشروعة حول أهدافها الخفية.
إن التحركات الإسرائيلية على أرض الواقع تتعارض بشكل صارخ مع مزاعمها المعلنة بحماية الأمن والتصدي للتهديدات المحتملة، إذ يبدو أنها تستغل بوضوح الفراغ الأمني الناتج عن الأزمة السورية لتحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد وتعزيز نفوذها الإقليمي.
منذ بداية الأزمة وسقوط نظام الأسد، قامت إسرائيل بشن سلسلة من الضربات الجوية على المعسكرات والمواقع العسكرية السورية، مستهدفة مصانع الأسلحة ومراكز إنتاجها، وذلك بدافع الخوف من وقوع هذه الأسلحة في أيدي الثوار والفصائل المعارضة.
وعلى الرغم من التصريحات الصادرة عن الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، والتي أكد فيها أنه لا يسعى إلى أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل بل يعمل بجد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، إلا أن تل أبيب لا تزال تدعي باستمرار أن تحركاتها العسكرية تأتي في إطار الدواعي الأمنية البحتة.
إن تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، التي تحدث فيها بصراحة عن "مراقبة" الرئيس السوري الجديد من قمة جبل الشيخ، تؤكد بشكل قاطع أن إسرائيل تسعى إلى ترسيخ وجود عسكري دائم في المنطقة، وليس مجرد اتخاذ إجراءات أمنية مؤقتة كما تدعي.
لم تقتصر السياسة الإسرائيلية على مجرد تعزيز مواقعها العسكرية على طول الحدود، بل امتدت لتشمل محاولات التدخل السافر في الشؤون الداخلية السورية، خاصة من خلال التغلغل في صفوف الطائفة الدرزية الكريمة، ولا سيما في منطقة السويداء.
فقد أشارت العديد من التقارير الصحفية الموثوقة إلى أن إسرائيل تحاول جاهدة استمالة الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري، عبر تقديم إغراءات مالية وسياسية سخية بملايين الدولارات، وذلك بهدف تقويض وحدة الدولة السورية ودفع الدروز إلى الانفصال عن دمشق.
هذه التحركات المشبوهة تعكس استراتيجية تل أبيب الواضحة في استغلال مسألة "حماية الأقليات" لتعزيز نفوذها الإقليمي وتوسيع نطاق سيطرتها في المنطقة.
ظلت جبهة الجولان هادئة ومستقرة لعقود طويلة تحت حكم الأسد، وهو ما يفسر الموقف الإسرائيلي الذي فضل بقاءه في السلطة، على الرغم من امتلاكه أسلحة كيميائية استخدمها ضد المدنيين الأبرياء. ولكن مع سقوط النظام، تبنت إسرائيل نهجًا أكثر عدوانية، من خلال تكثيف هجماتها العسكرية في محاولة لإضعاف جهود إعادة بناء الدولة السورية وتقويض استقرارها.
تخشى إسرائيل بشدة من تصاعد الدور التركي المتنامي في سوريا، وتخشى أيضًا من قيام حكومة سورية قوية متحالفة مع أنقرة. وهذا دفعها إلى تبني سياسة "فرق تسد" القديمة واللعب على وتر الطائفية لتعزيز الانقسامات الداخلية، خصوصًا بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها منطقة الساحل.
فقد عملت إسرائيل بنشاط على نشر الفتنة الطائفية البغيضة من خلال شن حملات تضليل إعلامي واسعة النطاق على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة. كما سعت إلى دعم قوات سوريا الديمقراطية في الشمال، من خلال الضغط المستمر لبقاء القواعد الأميركية في سوريا.
كما حاولت إسرائيل كسب دعم الطائفة الدرزية، مستغلةً الزعيم الروحي للدروز في الجولان المحتل، الشيخ موفق طريف. وقد قامت بفتح الحدود أمام الدروز الراغبين في زيارة الأراضي المحتلة، وحرصت على تنظيم رحلات منتظمة عبر حافلات إسرائيلية لنقلهم لزيارة مقام النبي شعيب. وقبل ذلك، هددت إسرائيل بالتدخل العسكري لصالح الدروز في جرمانا.
لكن طموحات إسرائيل في تقسيم سوريا واجهت مقاومة شديدة من رغبة الشعب السوري الأصيل في الحفاظ على وحدة وطنه وسلامة أراضيه، حيث رفضت الغالبية العظمى من السوريين من جميع الطوائف التدخل الإسرائيلي السافر في شؤونهم الداخلية، كما اصطدمت هذه الطموحات أيضًا بتحركات الحكومة السورية الجديدة.
وقد اتخذت الإدارة السورية الجديدة خطوات حاسمة وجريئة لإفشال المخططات الإسرائيلية، من بينها توقيع اتفاق تاريخي مع "قوات سوريا الديمقراطية" يقضي بدمج القوات الكردية في الجيش السوري وتسليم المؤسسات الرسمية وحقول النفط للدولة السورية.
كما عملت دمشق جاهدة على احتواء تمرد فلول النظام السابق في منطقة الساحل، وملاحقة المتورطين في المجازر الأخيرة التي ارتكبت بحق المدنيين الأبرياء. بالإضافة إلى ذلك، بادرت الحكومة بفتح حوار صريح وبناء مع وجهاء السويداء ونشطاء الطائفة الدرزية لتعزيز وحدة البلاد ومنع أي محاولات خارجية لاستغلال الخلافات الداخلية.
على الرغم من هذه الإجراءات الإيجابية، فلا تزال التحديات قائمة وكبيرة، ما يتطلب تضافر الجهود بين جميع السوريين لدعم حكومتهم في مواجهة التهديدات الخارجية والمحافظة على سيادة الوطن.
ومن الضروري أن تتحرك الإدارة السورية الجديدة بسرعة وحزم لحماية البلاد من أي تدخل إسرائيلي محتمل. ويُعدّ توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع تركيا، والسماح لها بإقامة قواعد عسكرية في وسط وجنوب البلاد، خطوة إستراتيجية مهمة لتعزيز الموقف العسكري السوري، وتقليل خطر التدخل الإسرائيلي.